الدليل الشامل لتداول النفط

تعلم أسس ونصائح واستراتيجيات تداول النفط في الأسواق العالمية.
تداول النفط

تلفت التغيرات الحادة في أسعار النفط انتباه كثيرين، حتى من غير المتخصصين في مجال التداول المالي. يعزى ذلك بصفة رئيسية إلى الأهمية الإستراتيجية التي تمثلها أسعار النفط في حياة الشعوب عموما، ناهيك عن الأهمية الخاصة التي تتمتع بها في منطقتنا العربية، حيث يعتبر النفط المصدر الرئيسي للدخل في العديد من بلدان المنطقة.

وبطبيعة الحال، فإن هذا الدور المحوري للنفط في حياتنا العادية يبرر اهتمام العامة والمتخصصين بدراسة كل ما يتعلق بهذه السلعة المحورية وفهم العوامل المؤثرة عليها.

سنحاول في هذه المقالة استعراض الأهمية التاريخية للنفط، والعوامل المؤثرة على سعره كسلعة استراتيجية، فضلاً عن شرح مبسط لكيفية تداول النفط في أسواق السلع والعقود الآجلة.

أنواع النفط

في البداية يجب إيضاح أنه توجد أنواع كثير من النفط الخام والتي تختلف فيما بينها من حيث الجودة، وبالتبعية السعر، ولهذا قد تسمع مصطلحات مثل الخام الخفيف أو الثقيل، وفي أحيان أخري الخام الحلو أو الحامض. وبشكل عام، هناك أكثر من 180 نوع من النفط، ويتم التقسيم استنادا إلى معايير عالمية تضعها مؤسسات متخصصة، ربما أشهرها معهد البترول الأمريكي والذي يعطي وزن نوعي مختلف لكل نوع من الأنواع المذكورة.

وبرغم وجود هذا العدد الهائل من أنواع النفط، إلا أنه جري العرف على تقسيمها إلى ثلاثة نفوط رئيسية هي:

مزيج برنت ــ والذي يعتبر الخام المرجعي لأسعار أكثر من 60% من النفط المتداول عالميا. يأتي في المرتبة الثانية من حيث الأهمية والشهرة خام غرب تكساس الوسيط، النوع الأخير هو مزيج دبي\عمان وهو يصنف غالبا باعتباره الأقل جودة بين الأنواع الثلاثة بسبب احتوائه على نسبة عالية من الكبريت.

أهمية النفط

لا توجد صعوبة في تفسير الأهمية الإستراتيجية التي يحظى بها النفط، حيث يعتبر المصدر الرئيسي للحصول على الطاقة – على سبيل المثال المشتقات النفطية مثل البنزين والديزل والزيوت وغيرها. أيضا لا يمكن إغفال الأهمية الصناعية للنفط حيث يدخل كمكون رئيسي في العديد من المنتجات الهامة مثل الأدوية والملابس وألواح الطاقة الشمسية.

ما الذي يحرك أسعار النفط؟

تتحدد أسعار النفط وفق متغيرات عديدة تختلف من حيث أهميتها النسبية ودورية صدورها. على سبيل المثال، فإن التقارير التي تصدرها المنظمات الدولية والجهات المتخصصة بشأن مستويات العرض والطلب، سواء الحالية أو المتوقعة، تلعب دورا كبيرا في تعديل توقعات المستثمرين بشأن الأسعار المستقبلية للنفط. أيضا تؤثر الأحداث السياسية والصراعات الدولية والحروب على أسعار النفط بصورة كبيرة، باعتبار أنها تمثل في الغالب تهديد جسيم وغير متوقع بتعطيل إمدادات النفط إلى الأسواق العالمية.

وفيما يلي شرح مختصر لأهم مصادر الحصول على المعلومات الخاصة بأسواق الطاقة

إدارة معلومات الطاقة الأمريكية (EIA)

هي وكالة معلومات مستقلة تابعة لوزارة الطاقة الأمريكية، وتصدر تقرير أسبوعي حول مخزونات النفط والمشتقات البترولية والغاز الطبيعي. تعمل إدارة معلومات الطاقة كمستشار للحكومة الأمريكية مهمتها جمع وتفسير وتحليل كافة المعلومات ذات الصلة بأسواق الطاقة، ولكن مع مرور الوقت تحولت إلى واحدة من أهم مصادر المعلومات التي يتابعها جميع المستثمرون عن كثب. ويعزى ذلك إلى أهمية البيانات الصادرة عن إدارة EIA والتي تفسر بشكل رئيسي مستويات الإنتاج والاستهلاك والتغير في المخزونات في الولايات المتحدة، والتي تعتبر حاليا أكبر منتج ومستهلك للنفط على مستوى العالم.

تُصدر إدارة معلومات الطاقة تقريرين أسبوعيين، يعرض التقرير الأول مخزونات الخام بجانب أسعار المشتقات البترولية، فيما يعرض التقرير الثاني تحليلات من خبراء الوكالة للتعليق على الأخبار الصادرة. توفر إدارة معلومات الطاقة تقاريرها للجميع ويمكن الحصول عليها من خلال موقعها على الويب.

وكالة الطاقة الدولية

تعتبر وكالة الطاقة الدولية جهة استشارية تابعة لمنظمة التعاون والتنمية الدولية. ويتثمل دورها الرئيسي في جمع وتحليل البيانات المرتبطة بأسواق الطاقة. تُصدر الوكالة تقرير دوري كل شهر يتضمن توقعاتها لمستويات الطلب والعرض وتقديراتها لأسعار النفط، ويمكن الحصول عليه مقابل اشتراك شهري.

العوامل المحددة لأسعار النفط

تعتبر قوي العرض والطلب هي المحدد الرئيسي لأسعار النفط، تماما كما هو الحال في أسواق باقي السلع الأخرى. وحتى العوامل المؤثرة مثل الصراعات السياسية والعسكرية تدور في فلك هذا المفهوم وتنحصر أهميتها في تأثيرها على جانبي العرض والطلب.

تتحدد مستويات الطلب على أساس معدلات النمو الاقتصادي والزيادة السكانية في مختلف بلاد العالم، ولهذا ينمو استهلاك النفط بمعدلات متباينة كل عام. أبرز مثال على ذلك هو الفورة السعرية التي شهدها النفط في بداية الألفية الثالثة حيث قفزت الأسعار من حدود 10 دولارات للبرميل حتى وصلت في عام 2008 إلى أكثر من 140 دولار للبرميل. المحرك الرئيسي لهذه القفزات السعرية خلال تلك الفترة كان هو الطفرة التي شهدها الاقتصاد الصيني والذي نما بمعدلات هائلة حولت معها بكين إلي ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم.

الجانب الآخر من المعادلة هو المعروض العالمي، والذي يتحدد بطبيعة الحال وفق مستويات الإنتاج على مستوى العالم. وتعتبر الانخفاضات الحادة التي شهدتها أسعار النفط منذ 2013 مثال جيد على الدور المحوري الذي يلعبه جانب العرض في تحديد اتجاهات الأسعار. وبشكل أكثر تحديدا، حدثت طفرة في إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة وهو ما أتاح لها اقتناص لقب أكبر منتج في العالم، متخطية القادة التاريخين لأسواق الطاقة مثل روسيا والسعودية، بعد أن تجاوز إنتاجها اليومي حاجز 12.5 مليون برميل يوميا.

وفي عام 2016، ساهم تحالف دول أوبك مع المنتجين الآخرين من خارج الكارتل النفطي، وعلى رأسهم روسيا، في ضبط مستويات الأسعار بعد الاتفاق في فيينا على خفض الإنتاج اليومي بقيمة تتراوح بين 1.2 مليون إلى 2 مليون برميل يوميا.  وساهم هذا الاتفاق في دعم الأسعار لترتفع من حدود 27 دولار للبرميل قبل ثلاث سنوات لتسجل العام الماضي 86 دولار قبل أن تتراجع مرة أخري بسبب ضعف الاقتصاد العالمي.

تداول النفط

هناك طرق متعددة لتداول النفط، وبالرغم من أنك كمستثمر فردي قد تهتم بالتعرف على نوعيات المنتجات المخصصة لهذه الفئة من عملاء التجزئة، ولكننا سنتعرف بشكل موجز على الإطار العام لتداول النفط حتى تكون على دراية بالملامح الرئيسية لهذا السوق الضخم.

في البداية يجب أن نعرف أن هناك أسواق متعددة لتداول النفط، وأيضا فئات مختلفة للمستثمرين. هناك محددات متنوعة يمكن على أساسها تقسيم نوعيات المتعاملين في أسواق النفط، ولكن بشكل عام فإن تداول النفط يتوزع بشكل عام بين المستثمرين لأغراض فعلية والمستثمرين لأغراض المضاربة. تضم المجموعة الأولي المشترين والبائعين الذين يتعاملون في الأسواق المادية، بمعنى أن المنتج يكون شركة أو دولة لديها فائض إنتاجي ترغب في عرضه للبيع، فيما تضم مجموعة المشترين الدول أو المؤسسات التي ترغب في شراء النفط لتلبية احتياجاتها المختلفة لتأمين مصادر الطاقة، وبطبيعة الحال فإن الدول المستهلكة للنفط تمثل الزبون الرئيسي في هذا السوق.

النوع الثاني هو التداول المالي في أسواق العقود الآجلة والمنصات الإلكترونية، وتضم هذه الفئة عدد ضخم من المستثمرين الذين يرغبون في شراء وبيع النفط بغرض التحوط أو تحقيق الأرباح، وليس شراء أو بيع النفط بشكل فعلي. وبرغم أن هذه الفئة تعتبر مسؤولة عن التقلبات الحادة في الأسعار، إلا أنها تعتبر مصدر رئيسي للسيولة في أسواق النفط.

تعتبر شركات الطيران واحدة من أبرز أمثلة المضاربين لغرض التحوط حيث تلجأ لشراء النفط في أسواق العقود الآجلة بغرض تأمين تكلفة خدماتها من التقلبات الحادة في الأسعار. على سبيل المثال، فإن شركات الطيران تبيع تذاكر لرحلات مستقبلية لفترة قد تتجاوز 6 أشهر، وبما أن الوقود يعتبر عنصر التكلفة الرئيسي فإن تحديد أسعار الخدمات في المستقبل يتطلب تأمين استقرار الأسعار.

مراكز تداول النفط

يمكن للمستثمرين المهتمين بتداول النفط القيام بذلك من خلال قنوات عديدة. وتعتبر أسواق العقود الآجلة والخيارات هي المركز الرئيسي لتداولات النفط، ولكنها أكثر ملائمة للمستثمرين الكبار حيث تتطلب رأسمال مبدئي لا يقل عن 50,000 دولار، كما أن أحجام العقود كبيرة قد تصل إلى 1,000 برميل في الصفقة الواحدة. هناك مشتقات أخرى أكثر تعقيدا مثل صناديق الاستثمار المتداولة، والتي يمكن الاستثمار فيها بطريقة أقرب إلى أسواق الأسهم، حيث يمكنك شراؤها وبيعها بشكل يومي.

يستطيع المستثمرون أيضا الانكشاف على أسعار النفط من خلال شراء أسهم شركات الطاقة، مثل إكسون موبيل وبريتش بتروليوم وتوتال، حيث ترتفع وتنخفض أسهمها بالتوازي مع حركات أسعار النفط باعتباره المصدر الرئيسي لدخل هذه الشركات العملاقة.

تداول النفط عبر الإنترنت

أحدث استخدام الإنترنت في مجال التداول المالي طفرة هائلة خلال السنوات الماضية حيث أتاح للمستثمرين الأفراد الدخول لهذا السوق بفضل حل التعقيدات التي حالت دون ذلك على مدار السنوات الماضية.

على سبيل المثال، كان المستثمر في الماضي يحتاج إلى الاتصال بمكتب الوسيط لإبلاغه بالسعر والكمية المطلوبة وتأكيد أمر الشراء، ثم يقوم الموظف المختص بإبلاغه بالأسعار المتوفرة والعمولة التي ستتقاضاها شركة الوساطة وأي شروط أخري، وبعد الاتفاق على كافة هذه التفاصيل يتم وضع الصفقة من خلال خوادم الوسيط المتصلة بقاعات التداول في البورصات الرسمية. وبالمثل، يحتاج المستثمر إلى المرور بكافة هذه الخطوات مرة أخري عند رغبته في تعديل الصفقة أو إغلاقها.

هذه الإجراءات الروتينية المملة باتت جزءاً من الماضي حيث أصبح بمقدور المتداول الآن العمل عبر منصة إلكترونية ووضع صفقاته بكافة تفاصيلها الدقيقة، ثم تعديلها أو إغلاقها ومراقبتها طوال الوقت بنفسه.

يعتبر سوق النفط واحداً من أهم الأسواق التي استفادت من هذه الطفرة التكنولوجية، حيث بات بمقدور المضاربين ذوي رؤوس الأموال الصغيرة الدخول إلى هذا السوق من خلال ما يطلق عليه العقود مقابل الفروقات. وتعطي عقود الفروقات لمتداول النفط فرصة الانكشاف (الربح أو الخسارة) دون الحاجة إلى امتلاك النفط بشكل فعلي أو تكبد عناء التخزين أو الاستلام. وتتميز عقود الفروقات أيضا بالبساطة حيث يرتبط سعر العقد بسعر النفط في الأسواق العالمية، وهو ما يسهل بطبيعة الحال من اتخاذ قرارات البيع والشراء على أسس اقتصادية وفنية واضحة.

أتاحت عقود الفروقات أيضا استخدام ما يطلق عليها الرافعة المالية، والتي تسمح باقتراض أموال من شركة الوساطة لفتح صفقات تزيد قيمتها الإسمية عن الرصيد المتوفر في حسابك. على سبيل المثال، فإن تداول النفط في البورصات الرسمية يتطلب توفير ضمان (يطلق عليه الهامش) يصل إلى %50 من قيمة العرض. وكما أوضحنا آنفا، فإن قيمة العقد قد تصل إلى 1000 برميل، وبالتالي قدد تتجاوز قيمة الصفقة 60,000 دولار (إذا كان خام برنت يتداول عند 60 دولار للبرميل). في هذه الحالة سيحتاج المتداول إلى توفير هامش أو ضمان بقيمة 25,000 دولار (50% من قيمة العقد) وهو رقم كبير لفتح صفقة واحدة بالنسبة للمستثمر العادي.

يختلف الأمر كلياً عند التعامل مع وسطاء عقود الفروقات حيث يمكنهم توفير رافعة مالية تصل إلى 1:100. وبالتطبيق على هذا المثال المذكور فإن متداول النفط يحتاج إلى توفير هامش لا يتجاوز 500 دولار لفتح عقد بنفس القيمة الإسمية، أي 50,000 دولار.

برغم ذلك يجب الانتباه إلى أن الرافعة المالية هي سلاح ذو حدين حيث يمكن أن تؤدي إلى تضخيم الخسائر بنفس القدر الذي تساعد فيه على زيادة الأرباح وتقليل متطلبات الهامش.

هناك أيضا ميزه هامة للتداول عبر وسطاء عقود الفروقات، وهي أن منصات التداول الإلكترونية تسمح بالاستثمار في عدة أصول مختلفة في وقت واحد، الأمر الذي يسمح بتنويع المخاطر وتقليل تكاليف التداول. على سبيل المثال، يمكنك من خلال منصة وسيط التجزئة تداول عدة أنواع من النفط (برنت أو تكساس) وكذلك الاستثمار في أسهم الشركات النفطية المدرجة في بورصات الأسهم مثل لندن ونيويورك. ويمكنك أيضا تنويع استثماراتك خارج قطاع الطاقة من خلال شراء عقود العملات أو الذهب أو أسهم الشركات العاملة في صناعات أخرى.

وبالتبعية فإن انخفاض متطلبات الهامش سمح أيضا بخفض اشتراطات الحد الأدنى لرأس المال، حيث تسمح شركات الوساطة للمتداولين بفتح حساب بمبلغ صغير قد يصل إلى 100 دولار فقط، مقارنة مع 50,000 دولار أو حتى 100,000 دولار عند الرغبة في التعامل في البورصات الرسمية عبر شركات الوساطة الكبرى.

برغم ذلك هناك عيوب يجب الانتباه إليها عند التعامل مع هذه النوعية من الوسطاء مثل ضعف الإشراف التنظيمي ووجود شركات احتيالية قد تتلاعب بالأسعار لتكبيد المتداول خسائر.

Total
0
Shares
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Next Post
تعرف على كافة طرق الاستثمار في الأسهم والسوق السعودية "تداول".

كل ما تريد معرفته عن السوق المالية السعودية “تداول”

Related Posts